أطلق مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية دراسة بعنوان: "دراسة مقارنة حقوق العاملات في رياض الأطفال الخاصة"، جاءت ضمن متابعة أوضاع العاملات في رياض الأطفال في الضفة الغربية، عقب دراسة ميدانية أجراها المرصد عام 2021، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم عبر مركز البحث والتطوير التربوي، وبدعم من مؤسسة إنقاذ الطفل.
أضاءت حينها على واقع الحقوق في ظل الأوضاع الاقتصادية وظروف العمل للعاملات في رياض الأطفال الخاصة في الضفة الغربية، لقياس مدى التغيير في المؤشرات الرئيسية، تم إعادة تنفيذ الدراسة خلال العام 2024، وفق نفس عينة وحدود الدراسة السابقة، بالتركيز على أهم المؤشرات الرئيسية، والمتعلقة بالحقوق وظروف العمل في قطاع رياض الأطفال بما يتجانس مع نصوص قانون العمل الفلسطيني.
أكد فريق البحث أن الدراسة المقارنة خلصت إلى مجموعة من النتائج، بالمقارنة مع نتائج الدراسة التي أجريت عام 2021، أهمها؛ وجود تطور إيجابي بالمؤهلات العلمية للعاملات في رياض الأطفال، ارتباطاً بارتفاع نسبة المتعلمات في المجتمع الفلسطيني، وتطور إيجابي آخر بارتفاع نسبة العاملات اللواتي يحصلن على إجازة أسبوعية مدفوعة الأجر، مع التنويه إلى أنه لا يزال 11% منهن يحرمن من هذه الإجازة. وخلافاً لذلك فقد تراجعت نسبة من لم يحصلن على تأمين صحي من أماكن عملهن، لتصل نسبتهن إلى 64% عام 2024، بينما ما زالت ثقافة توفر عقود العمل المكتوبة بين العاملات في رياض الأطفال والمشغّل ضعيفة، وتشهد تطوراً إيجابياً بطيئاً. كما تشير النتائج إلى تحسّن نسبة العاملات اللواتي يتقاضين أجورهن بشكل منتظم، إضافة إلى ارتفاع نسبة اللواتي يعملن من 4 الى 8 ساعات يومياً وارتفاع ونسبة اللواتي يعملن ضمن مهام وظيفية واضحة ومحددة ضمن وصف وظيفي. ورغم تدني نسبة اللواتي يعملن ساعات عمل إضافي، إلا أن من يعملن ساعات عمل إضافية غير مدفوعة الأجر قد شكلن ما نسبته 8%.
علاوة على ذلك؛ لم يطرأ تغير فيما يخص بدفع الأجور خلال فترة العطلة الصيفية وبقيت النسبة مرتفعة، في حين ما يقترب من ثلثي العاملات لا يُدفع لهن بدل مواصلات بتحسن طفيف عن العام 2021، ولا يمكن تصنيف هذا المؤشر بأنه سلبي بشكل مباشر دون الربط بمؤشرات أخرى مثل معدلات الأجور، لأن نظام الأجور قد لا يتضمن إلزامية تغطية بدل مواصلات ضمن الراتب؛ مما يعني بأن جزءاً من الراتب سيذهب لتغطية نفقات المواصلات. إضافة إلى ما تقدّم؛ هناك التزام بالإجازات الرسمية، لتصل في العام 2024 الى التزام شبه كامل بحوالي 99%، أما الإجازات السنوية فقد بينت النتائج ارتفاعاً في نسبة العاملات ممن يحصلن على إجازة سنوية حسب نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة (74)، وهذا يعني بأن 28% لا يحصلن على حق الإجازة السنوية. وقد أوضحت النتائج أيضاً ارتفاع نسبة العاملات اللواتي يحصلن على علاوة سنوية على الراتب في العام 2024 إلى 54%، وارتفاع نسبة الحاصلات على إجازة في حال وفاة أحد الأقارب إلى 91%، ونسبة اللواتي طلبن إجازة مرضية إلى 82%، مع التنويه إلى أن هناك من لم يحصلن على هذه الاجازات. أما بخصوص إجازة الأمومة فإنه من الضروري الإشارة إلى ارتفاع نسبة العاملات ضمن عينة الدراسة اللواتي لا ينطبق عليهن هذا الحق إلى 59%؛ وبالتالي فإن نسبة المتمتعات بحق إجازة الأمومة فقط 68%، هذا تجاوز للقانون المتعلق بالحق في إجازة أمومة مدفوعة الأجر، ومن جهة أخرى لا يمكن إغفال ارتفاع نسبة العاملات اللواتي هنّ خارج الحاجة لإجازة الامومة، وهناك احتمال لتعمّد استهداف توظيف مربيات من الفئات العمرية الأكبر أو غير المتزوجات. ويتبع إجازة الأمومة الحق في ساعة رضاعة بارتفاع في نسبة الحاصلات على هذا الحق إلى 74%.
وعلى مستوى آخر، ليس هناك تغير واضح في نسبة انتساب العاملات إلى لجان مهنية أو نقابات، وظلت نسبة انتسابهن متدنية وصلت إلى 87% لا ينتمين لأي لجنة أو نقابة، بالرغم من أن موقف صاحب/ة العمل حسب إفادة العاملات، لا يعتبر معيقاً أمامهن ولا يعارض ذلك بنسبة شبه كاملة. وحسب إفاداتهن حول أسباب عزوفهن عن الإنخراط في العمل النقابي فقد أشرن لعوامل ذاتية تتعلق بهنّ، وضعف التواصل بين الفاعلين النقابيين والعاملات، أو لا يؤمنَّ بجدوى العمل النقابي في تحصيل حقوقهن. وبالتالي فإنه في حال التعرض لخلاف داخل العمل، تتوجه العاملات إلى وزارة العمل أو النقابة لمساندتهن بنسبة متدنية وتتشابه بين العامين 2021 و2024، وما يفسر الانخفاض الكبير في نسبة من لا يفعلن شيئاً لحل الخلاف لتصل إلى 11% هو ارتفاع نسبة من يتوجهن إلى جهات غير المذكورة لحل الإشكاليات في العام 2024 لتصبح 40% والتي كانت فقط 2% في العام 2021، مما يشير إلى تحسن سعي العاملات لحل أي إشكاليات يتعرضن لها في العمل بطرق مختلفة، وفي ذات الوقت، يشير لعدم اعتبار النقابات والقضاء ووزارة العمل جهات أساسية لحل خلافات العمل. بنفس الوقت هناك ارتفاع في نسبة اللواتي لديهن معرفة بوجود قانون العمل الفلسطيني إلى 97% بشكله العام دون معرفة التفاصيل فيه، ورغم تغيّر الحدّ الأدنى للأجور إلا أن النسبة الأكبر من العاملات يتلقين أجوراً أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه لتصل الى 66% في العام 2024، وقد يفسر بشكل جزئي تغيّر قيمة الحد الأدنى للأجور في العام 2022 من 1450 شيقل إلى 1850 شيقل هذا الارتفاع، مع الانتباه إلى من كن يتقاضين رواتب محصورة بين الحد الأدنى القديم والجديد نسبتهن مرتفعة، وبالتالي هناك حاجة لتطبيق القرار على مجمل من يتقاضون رواتب تقل عنه، لكي لا يظل التعديل شكلياً.
أوصت الدراسة بضرورة إلزام أصحاب رياض الأطفال بتنفيذ النصوص القانونية المتعلقة بحقوق العاملات في رياض الأطفال دون الحاجة إلى اجتهادات أو تفاوض كإلزام تطبيق الحد الأدنى للأجور وتغطية الإجازات والعطل الرسمية والتأمين الصحي، وإجازة الولادة وتقليص الدوام أثناء فترة الأمومة (ساعة الرضاعة)، ومنح الاجازة المرضية وإجازة الحزن في حال وفاة أحد الأقارب حسب نص القانون، إضافة للالتزام بالعاقد المكتوب وساعات العمل المحددة وتغطية بدل العمل الإضافي. كما أوصت بضرورة التعمق في البحث في أسباب عدم التوجه لجهات اختصاص مثل وزارة العمل أو القضاء أو النقابات، لحل الإشكاليات في العمل كونها المرجع الرئيسي للبت في الخلافات والنزاعات العمالية وحفظ الحقوق بين العاملين والمشغلين. إضافة إلى ضرورة تفعيل العمل النقابي واستهداف العاملات في رياض الأطفال، وضرورة تفعيل الدور القضائي في بتسريع البت في القضايا العمالية بشكل عام وقضايا النساء العاملات في رياض الأطفال بشكل خاص. علاوة على ما تقدّم؛ هناك حاجة لتوفير الدعم الحكومي لقطاع رياض الأطفال خاصة مع انخفاض عوائده (الأقساط)، تحديداً في المناطق الريفية، وارتفاع التزاماته، لذلك لا بد من اتباع سياسات تدعم هذا القطاع. هذه الانتهاكات في حقوق العاملات في رياض الأطفال تقودنا لمسألتين؛ أهمية تفعيل رقابة وزارة العمل بالشراكة مع جهة الإشراف الممثلة بوزارة التربية والتعليم، من خلال زيادة عدد الزيارات والتركيز على المناطق المهمشة من جهة، ومن جهة أخرى، مرة أخرى الحاجة إلى تسريع إنجاز منظومة الضمان الاجتماعي، لأنه يعالج في سياقة العديد من الإشكاليات المتعلقة بحقوق العاملين/ات، ويوفر حماية كبيرة للفئات المهمشة ومن ضمنها النساء العاملات في رياض الأطفال.