أصدر مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية _المرصد، ورقة بحثية بعنوان: "حان أوان سياسات اقتصادية خارج قيود التبعية"، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية وتخبط السياسات الرسمية التي فشلت في معالجة هذا التفاقم، وما رافقه من مشاكل التضخم والبطالة والفقر والعجز المالي؛ حيث أصبح لا مفر من الإنطلاق بخطط وإستراتيجيات ذات توجهات سيادية معلنة وواضحة؛ أساسها عدم التبعية للاحتلال والاستقلال الوطني والسياسي والاقتصادي.
تسلّط الورقة الضوء على آثار التغيرات والأحداث المحلية والعالمية، ضمن وتيرتها المتسارعة وتأثيرها المتشابك، في صياغة السياسات الاقتصادية المحلية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، وبعض الأسباب الكامنة وراء قصورها عن الاستجابة وتوفير الحلول على المستوى المحلي، أخذين بعين الاعتبار خصوصية الواقع الفلسطيني، الذي يتطلب إلى جانب التقليل والحد من تأثير تلك الأزمات، لتحجيم تأثيرها على قوت المواطن اليومي، أن تستجيب السياسات لخصوصية عدم التبعية للاحتلال الصهيوني، ضمن مسار التأسيس لمقومات نوع من التحرر الوطني.
واعتبر أشرف سمارة، معد الورقة، أن عدم المباشرة بالتغيرات الجذرية في السياسات الفلسطينية، ما هو إلا مفاقمة للمعاناة بأشكالها المختلفة، لأن الاستحقاق الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني لاحقاً سيكون أكبر، حيث عمل ويعمل الاحتلال الصهيوني بشكل متصاعد على فرض تغيرات تصبح أمراً واقعاً يصعب تجاوزه، وما تصاعد العمل على تهويد القدس وزيادة الاستيطان إلا مؤشر هام، فمن حوالي 150 ألف مستوطن في الضفة الغربية قبل اتفاق أوسلو وصل العدد إلى حوالي 800 ألف في العام 2023.
انعكس هذا في تضييق الخناق على الفلسطينيين فيما يسمى مناطق (ج)، واستحداث ما يسمى بالاستيطان الرعوي للاستحواذ على مساحات واسعة من تلك الأراضي، كما أن تعميق الارتباط والتبعية للاقتصاد الصهيوني، يجعل من تشكيل وإقامة الكيان الفلسطيني المستقل أمراً أكثر تعقيداً، ويضع مزيداً من أدوات التحكم المباشر وغير المباشر في يد الاحتلال الصهيوني، فقرار تعطيل ربع القوى العاملة رهن إشارة من وزير في حكومة الاحتلال، من خلال وقف العمل في الداخل المحتل دون وجود الاستعداد والإرادة الفلسطينية لمواجهة مثل هذا الاستحقاق، وثلثا الإيرادات الحكومية ورقة ضغط في يد الاحتلال من خلال آلية جباية المقاصة.
هذه بعض المعطيات والأمثلة والشواهد العملية على ما تحاول هذه الورقة تسليط الضوء عليه، لبيان أهمية التوقف عن التساوق والتماهي مع ما يطرح من سياسات، لن تؤدي إلا لتعميق التبعية والبؤس للفلسطينيين، وتحويل ما يطمح ويناضل من أجله الفلسطينيين في دولة مستقلة إلى حلم يصعب تحقيقه، إن لم يتم التحول بشكل جذري نحو اعتماد سياسات اقتصادية تحررية حقيقية، تتجاوز سقف ما تم التأسيس له من قبل الاحتلال الصهيوني وحلفائه، أما الآن أو لن يكون، فلا يمكن التعامل اقتصادياً مع الاحتلال الصهيوني بعلاقات اقتصادية طبيعية بين كيانين مستقلين، لان الاحتلال هدفه دائماً الاستخدام والإخضاع والتبعية وليس تبادل المنفعة الاقتصادية، التي تبنى عليها العلاقات الاقتصادية بين الكيانات المستقلة.